فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قلت: لا نظر، لأن ذلك مما تشمله الزينة، وقد أسلفنا في المقدمة أن قولهم: نزلت في كذا، لا يقصد به أن حكم الآية مخصوص به، بل مخصوص بنوعه، فتعم ما أشبهه، فتذكر.
والأحاديث في مشروعية الصلاة في النعل كثيرة جدًّا، منها: عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد، قال: سألت أنسًا: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم. متفق عليه.
قال العراقي في شرح الترمذي: وممن كان يفعل ذلك- يعني لبس النعل في الصلاة- عُمَر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وعويمر بن ساعدة وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع وأوس الثقفي، ومن التابعين:
سعيد بن المسيب والقاسم وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله وعطاء بن يسار، وعطاء بن أبي رَبَاح ومجاهد ة وطاوس وشريح القاضي، وأبو مجلز وأبو عمر الشيباني والأسود بن يزيد وإبراهيم النَّخَعِي وإبراهيم التَّيمي وعلي بن الحسين وإبنه أبو جعفر. انتهى.
وقد أخرج أبو داود من حديث أبي سعيد أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إذاجاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما».
وحديث عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافيًا ومنتعلًا. أخرجه أبو داود وابن ماجة.
الثاني: دلت الآية على وجوب الستر عند الطواف، لأنه سبب النزول، قالوا: واللفظ شامل للصلاة لأنها مفعولة في المسجد.
الثالث: حاول بعضهم استنباط التجمل عند الصلاة منها حيث قال: لما دلت على وجوب أخذ الزينة بستر العورة في الصلاة، فُهِم منها في الجملة، حسن التزين بلبس ما فيه حسن وجمال فيها.
قال الكيا الهراسي: ظاهر الآية الأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، للفضل الذي يتعلق به تعظيمًا للمسجد والفعل الواقع فيه، مثل الاعتكاف والصلاة والطواف.
وقال ابن الفرس: استدل مالك بالآية على كراهية الصلاة في مساجد القبائل بغير أردية، واستدل بها قوم من السلف على أنه لا يجوز للمرأة أن تصلي بغير قلادة أو قرطين، كذا في الإكليل، والأخير من الغلو في النزع.
وقال ابن كثير: ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة، يستحب التجمل عند الصلاة، ولاسيما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل اللباس البياض لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلبسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم، وإن من خير أكحالكم الِإثمد، يجلو البصر وينبت الشعر» ولأحمد وأهل السنن، عن سمُرة بن جُنْدب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالثياب البيض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم».
وروى الطبراني بسند صحيح، عن قتادة عن محمد بن سيرين: أن تميمًا الداري اشترى رداءً بألف، وكان يصلي فيه.
الرابع: وجه تأثر الأمر بأخذ الزينة، بالأمر بالأكل والشرب في قوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ} ما رواه الكلبي أن بني عامر كانوا لا يأكلون في أيام حجهم إلا قوتًا، ولا يأكلون دسمًا، يعظمون بذلك حجهم.
فقال المسلمون: نحن أحق أن نفعل ذلك يا رسول الله. فأنزل الله عز وجل: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ}.
وقال السدي: كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرمون عليهم الودك ما أقاموا في الموسم. فقال الله تعالى لهم: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ} الآية.
الخامس: فسر الإسراف بمجاوزة الحد فيما أحل، وذلك بتحريمه، وقال الجشمي اليمني في تفسيره التهذيب: تدل الآية على المنع من الإسراف. وذلك على وجهين:
أولهما: إنفاق في معصية كالفخَار واللعب والزنى والخمر ونحوها.
وثانيهما: أن يتعدى الحدود وذلك مختلف بحال اليسار والإعسار، لأن من له قدر يسير، لو أنفقه في ضيافة أو طيب أو ثياب خز، وهو وعياله يحتاجون إليه، فهو سرف محرم.
ومثله في الموسرين لا يقبح ولا يكون سرفًا، وتدل على أن الأشياء على الإباحة.
والعقل يدل على ذلك، لأنه تعالى خلقه لمنافعهم، والسمع ورد مؤكدًا، ولذلك قال: {مَنْ حَرَّمَ} مطالبًا بدليل سمعي.
وقد روى الإمام أحمد عن عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده».
وأخرج النسائي وابن ماجة نحوه.
وقال البخاري: قال ابن عباس: كلْ ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة.
ورواه ابن جرير عنه أيضًا بلفظ: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سرفًا أو مخيلة.
قال الشهاب: هذا- أي: ما قاله ابن عباس- لا ينافي ما ذكره الثعالبي وغيره من الأدباء، أن ينبغي للإنسان أن يأكل ما يشتهي، ويلبس ما يشتهيه الناس، كما قيل:
نصيحة نصيحة قالت بها الأكياس ** كل ما اشتهيت والبسنَّ ما اشتهته الناس

فإنه لِترك ما لم يعتد بين الناس، وهذا لإباحة كل ما اعتادوه. والمخيلة: الكبر. وما دوامية زمانية. وأخطأتك، من قولهم أخطأ فلان كذا، إذا عدمه.
وفي الأساس: من المجاز لن يخطئك ما كُتب لك ووأخطأ المطر الأرض: لم يصبها، وتخاطأته النبل: تجاوزته وتخطأته. انتهى.
وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وعيد تهديد لمن أسرف في هذه الأشياء، لأن من لم يحبه الله لم يرض عنه.
السادس: تناقل المفسرون وغيرهم ما قيل إن قوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ} الآية، جمع الطب كله. وأصله ما حكاه الزمخشري والكرماني في عجائبه، أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان: علم الأبدان، وعلم الأديان.
فقال له: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه، قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ}، فقال النصراني: ولا يؤثر من رسولكم شيء في الطب! فقال: قد جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة، قال: وما هي؟ قال قوله: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وأعط كل بدن ما عودته» فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبًا.
قال في العناية: وترك بعضهم تمام القصة، لأن في ثبوت هذا الحديث كلامًا للمحدثين.
وفي شعب الإيمان للبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم». انتهى.
أقول: إن صحت هذه الحكاية، فصواب جواب النصراني في سؤاله الثاني بالتفنيد والفرية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُثر عنه من بدائع الطب وأصناف العلاج ما لم يؤثر عن نبي قط، وللمحدثين في عهد السلف منه قسم كبير في جوامعهم ومسانيدهم. وأما أعلام المتأخرين فقد اضطرهم وفرة ما روي في ذلك إلى تدوينه في أسفار مطولة ومختصرة بعنوان الطب النبوي.
وقد بين الإمام ابن القيم: عليه الرحمة، اشتمال التنزيل العزيز على أصول الطب، والسنة المطهرة على بدائعه، في كتابه زاد المعاد، بيانًا يدهش الألباب، وفوق كل ذي علم عليم. اهـ.

.قال الشعراوي:

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
والزينة إذا سمعتها تنصرف إلى تجميل فوق قوام الشيء، وقوله سبحانه وتعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]
هذا يعني أن يذهب المسلم إلى المسجد بأفخر ما عنده من ملابس، وكذلك يمكن أن يكون المقصود ب {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} هو رد على حالة خاصة وهو أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة، وأن المراد بالزينة هنا هو ستر العورة. أو المراد بالزينة ما فوق ضروريات الستر، أو إذا كان المراد بها اللباس الطيب الجميل النظيف، فنحن نعلم أن المسجد هو مكان اجتماع عباد الله، وهم متنوعون في مهمات حياتهم، وكل مهمة في الحياة لها زيها ولها هندامها؛ فالذي يجلس على مكتب لمقابلة الناس له ملابس، ومن يعمل في الحِدَادَة له زي خاص مناسب للعمل، ولكن إذا ذهبتم إلى المسجد لتجتمعوا جميعًا في لقاء الله أيأتي كل واحد بلباس مهنته ليدخل المسجد؟ لا، فليجعل للمسجد لباسًا لا يُضَايق غيره، فإن كانت ملابس العمل في مصنع أو غير ذلك لا تليق، فاجعل للمسجد ملابس نظيفة حتى لا يُؤذَي أحد بالوجود بجانبك؛ لأننا نذهب إلى المسجد لعمل مشترك يحكم الجميع وهو لقاء الله في بيت الله، فلابد أن تحتفي بهذا اللقاء. {... وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} [الأعراف: 31]
والمأكل والمشرب من الأمور المباحة لأن فيها مقومات الحياة، وكل واشرب على قدر مقومات الحياة ولا تسرف، فقد أحل الله لك الأكثر وحرّم عليك الأقل، فلا تتجاوز الأكثر الذي أُحلِّ لك إلى ما حرم الله؛ لأن هذا إسراف على النفس، بدليل أنه لو لم تجد إلا الميتة، فهي حلال لك بشرط ألا تُسرف. ولا يصح أن تنقل الأشياء من تحليل إلى تحريم؛ لأن الله جعل لك في الحلال ما يغنيك عن الحرام، فإذا لم يوجد ما يغنيك، فالحق يحل لك أن تأخذ على قدر ما يحفظ عليك حياتك، والمسرفون هم المتجاوزون الحدود. ولا سرف في حل، إنما السرف يكون في الشيء المحرم، ولذلك جاء في الأثر: «لو أنفقت مثل أحد ذهبًا في حِلِّ ما اعتبرت مسرفًا، ولو أنفقت درهمًا واحدًا في محرم لاعتبرت مسرفًا».
ولذلك يطلب منك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعطي كل نعمة حقها بشرط ألا يؤدي بك ذلك إلى البطر، وحينما ذهب إليه سيدنا عثمان بن مظعون، وقد أراد أن يترهب، ويتنسك، ويسيح في الكون، وقال لرسول الله: يا رسول الله، إنني أردت أن اختصي؛ أي يقطع خصيتيه؛ كي لا تبقى له غريزة جنسية، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عثمان خصاء أمتي الصوم».
لذلك قال صلى الله عليه وسلم في شأن من لم يستطع الزواج: «يا معشر الشباب من استطاع منك الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
«وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الناس وخوفهم فاجتمع عشرة من الصحابة وهم: أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسليمان وعبدالله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن في بيت عثمان بن مظعون فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبّوا مذاكيرهم». فكان التوجيه النبوي أن حمد الرسول صلى الله عليه وسلم ربه وأثنى عليه وقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني». اهـ.

.التفسير المأثور:

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}
أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس: أن النساء كن يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة، وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ** وما بدا منه فلا أحله